قدْرٌ من الماء ُصب فوق رأسي - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


قدْرٌ من الماء ُصب فوق رأسي
داوود الجولاني - 02\09\2010

"لولا أني مغرمٌ ومتيمٌ وعاشقٌ للسيدة التي سمحت لي قبل سنين بالسكن في فؤادها، لكنتُ أحببتُ السيدة التي جلست أمامي وتكلمتْ "، هكذا قلتُ بعد أن أنهت حديثها وانصرفت. وكنت قبل ذلك أحسبُها أنثى لعوباً طلقها زوجها.

قبل أن ألقاها سألتُ صاحبا لي، مولعٌ بمعرفة أخبار النساء، هل هي جميلة؟ فقال لي أنها مطلقة وجميلة جدا، ولم يُزدْ.

تخيلتُها فارعة القوام، يستسلمُ الناظرُ إلى عينيها الخضراوين، تشلُ لغتي كما البحر يسلبُ لبَّ العاشقين بانكسار موجاته الخضراء فوق القدمين، تملكُ شعراً أشقرا طويلا يتدلى فوق ظهرها، مخبئاً عري الكتفين.
هكذا كان مفهومي للجمال، وربما أخذته دون وعي مني من مشاهدة الجميلات الأوروبيات والأمريكيات في الأفلام الأجنبية، ولكن عندما رأيتها وسمعتها أحسست بالخجل من نفسي، وشممت رائحة القذارة وكأني غُطِسْتُ في مستنقعٍ نتنُ ماؤهُ.

ورغم كل ذلك بقي السؤال يجوبني من كل حدب: لماذا وهي الجميلة طلقها زوجها؟

كفا يديها يدلان على أنها تكدُ وتعملُ، أما شعرها الأسود فكان هادئا مثل ليلٍ، تمرُ فيه نسمات خفيفة تنبعثُ من عينيها العسليتين، فأحسست أن الجمال كله يطوق جسدها الأسمر الخلاب .

قالت ردا على سؤالي: أنا أعملُ في تنظيف الغرف السياحية في المستوطنة القريبة، فطليقي لا يدفعُ
نفقة طفْلينا، فقد تدخل العقال في فظ الزواج بيننا، وهكذا خرجت من بيت طليقي بعد عشر سنوات بتعويض قليل، لم يكفني لسنتين، والآن أنا مديونة للبنك، وأريدُ منك أن تساعدني بإقناع مدير البنك بتقسيط المبلغ، فقد قيل لي أنك صديقه ولا يرد لك طلباً".

ترددتُ في الإجابة وأنا أفكر في أمور شتى، كلها تتعلق بالسيدة التي تجلس أمامي. ويبدو أن بريقا خبيثا لمع في عيني، ولكني لم أتخيل أنها حادة الذكاء لهذه الدرجة، لتقطع حبل أفكاري، حيث قالت بصوت واثق، أحسست أن نبراته الحلوة تشفقُ علي: "نسيتُ أن أقول لك بأنني أنا التي طلقتُ زوجي، وأجاهد في العمل لتربية أطفالي... أتعرف لماذا؟.. وأكملت دون أن تنتظر جوابي، ولعلها لا تريده، لقد طلقتُه لأنه كان يخونني... ثم قامت وانصرفت بهدوء وتركتني منكمشا أخفي وجهي، وكأن قدْراً كبيراً من الماء المثلج صب فوق رأسي، حتى أن السؤال الأخير تجمد في فمي فلم تسمعني أقول : "ألم يطلب الغفران منك؟ لماذا لم تسامحيه؟ أم أنك وجدتِ فرصة سانحة؟".